Tuesday 2 February 2016








تمهيد:
تُعتبَرُ القراءةُ عمليةً مُعقَّدة؛ حيث تشتركُ في أدائها حواسُّ ومهاراتٌ مختلفة، فالجهاز البصريُّ يقوم برؤية الكلمات المكتوبة، ويقومُ جهاز النطق بنطق هذه الكلمات، ثم تقومُ القدرة على الفهم باستيعاب معنى هذه الكلمات.

كما تتطلَّبُ القراءةُ قدراتٍ عقليةً، وحسيَّةً، وتدريبًا متواصلاً؛ لأنها تَعتمِدُ على الرموز الدالَّة على الأصوات، وفهم هذه الرموز يَتطلَّبُ مستوًى معيَّنًا من الإدراك والنضج؛ حتى يستطيعَ المُتعلِّمُ استيعابَ أشكالِ الحروف، وإدراك الصفات المميِّزة لها، والأوضاع التي تكون عليها.

يتطلَّب تدريسُ طلاب التربية الفكرية أن يكون المعلِّمُ على قدر كافٍ من معرفة خصائصهم التعليمية، والنفسية، والعقلية، والاجتماعية، التي تقومُ على أسسٍ غايةٍ في الدقة والحساسية، وأن يراعيَ المرحلة العمرية التي يمرُّ بها الطالب.

لا يَقتصِرُ تعليمُ الأطفال ذوي الإعاقة الفكرية على قدراتهم وإمكاناتهم الفكريَّة فقط؛ إنما تَمتدُّ لتشتمل على شدة المشكلة النمائيَّة التي يُعاني منها الطالبُ، التي قد تعيقُه عن تعلُّم القراءة في حال شدَّتِها، خصوصًا أنه بعد ما عرفنا أن الطالبَ من ذوي الإعاقة الفكريَّة أفضل ما يستطيع الوصول إليه هي المرحلة الثانية من مراحل تعلُّم القراءة السابقِ ذكرُها.

ولا يُمكِنُ أن نُحدِّدَ سنًّا أدنى يمكن البَدْء عندها لتدريب الطفل المعاق فكريًّا على القراءة، وذلك بسبب أن الإعاقةَ الفكرية التي ينتمي إليها الطفلُ لا تُشكِّلُ فئةً مُتجانسةً؛ فهم يتباينون في القدرات والإمكانات، وكلُّ طفلٍ له قدرتُه واستعداده الخاص به.

إن تعلُّم مهارة القراءة شأنُها شأنُ تعلُّمِ أيِّ مهارةٍ أخرى تحتاج إلى درجة معينة من النضج العقلي والجسمي، بالإضافة إلى درجةٍ كافية من الاستعداد، فتعليمُ الطفل القراءةَ دون أن يكون مستعدًّا لها - قد يُؤدِّي إلى إطالة مدة التعليم، وإلى تكوين اتجاهاتٍ سلبية لدى الطفل نحوَها.

ويُعرَّفُ الاستعدادُ على أنه: الحالة التي يكون فيها المُتعلِّمُ مستعدًّا لتلقي الخبرة.

ويُعرَّفُ الاستعدادُ للقراءة على أنه: المهارات والمتطلبات المسبقة، التي يجبُ على الطفل أن يتعلَّمها قبل البدء بالقراءة الفعليَّة؛ مثل: مهارة التمييز البصري، ومهارة التمييز السمعي، ومهارة التذكُّر سواء السمعي أو البصري، ومهارة الفهم والمعلومات التي تناسب قدراته.

وإذا ما علَّمنا الأطفالَ المعاقين ذهنيا القراءةَ، فالأفضلُ تعليمُهم لغةً واحدة فقط؛ إما لغتهم الأم (أو اللغة القومية) أو الرسمية (في البلدان التي تتعدَّدُ فيها اللغات، أو تتباين مع اللغات المحلية أو العامية تباينًا كبيرًا) والواقع أنه من المُشوِّش والمُرْبِكِ جدًّا تعليمُ الطفل قراءة أكثر من أبجدية مكتوبة واحدة في وقت واحد.

ويزداد الأمر تشويشًا إذا كانت اللغتان تُكتبان باتجاهين متعاكسَيْنِ؛ (كالعربية والإنكليزية مثلاً)، ويتطلَّبُ ذلك عملاً هائلاً من الذاكرة، ويَتعلَّمُ الطفل قراءةَ اللغة بسهولة أكبرَ بكثير إذا كان يتكلَّمُها بسهولة.

وتحتاج مهارةُ القراءة إلى قدرات ومهارات إدراكية، ولُغويَّة، ومعرفيَّة، وفسيولوجية، وهي تَشتمل على استقبال المُثيرات الخطيَّة ونقلها إلى مراكز معينة في الدماغ، ومن ثَمَّ معالجة هذه المثيرات، والتعامل معها من خلال القراءة.

أهمية القراءة:
لا تقتصرُ أهميةُ القراءة لدى الطالب في الجانب الأكاديمي والتعليمي، بل تمتدُّ لتشملَ جميعَ أمور الحياة اليومية في حياة الطالب.
تؤدِّي إلى اتجاهات أكثرَ إيجابية تجاهَ الطفل المعاق فكريًّا.
تضييقُ الفجوة ما بين الطفل العادي، والطفل المعاق فكريًّا.
تتضحُ أهميةُ القراءة في أنها وسيلةٌ هامة لدى الشخص المعاق فكريًّا في التواصل مع المجتمع، من خلال قراءة اللوحات الإرشادية والإعلانية، ومعرفةِ لوحات المحلات التجارية، وقراءةِ الأحياء، وأسماء الشوارع بحسب قدرات وإمكانية الشخص.
قراءة بعض الكلمات الوظيفيَّة التي تتصل بمجال عمله.
تُعدُّ من الأنشطة العقلية لدى التلميذ.
كما تفيد في تطوير الحصيلة اللُّغويَّة لدى التلميذ.
تساعد على إثراء خبرات التلميذ، وإشباع حاجاته وميولِه.
وتسهمُ في تطوير وتكوين شخصية الفرد.

هناك مهارات يحتاجُها الطفل قبل أن يتعلَّم القراءة وتُنمَّى عنده، ومنها:
1- مهاراتٌ إدراكيَّة لازمةٌ:
هناك كثيرٌ من المهارات اللازمة في هذا المجال يبقى مفيدًا في كل الأحوال، ويمكن تعليمه حتى وإن لم يتطوَّر الطفل كثيرًا في تعلم القراءة والكتابة، وتشمل هذه المهارات:
1- التعرُّف إلى الأشكال، ومطابقتها، ونسخها، وتمييز التفاصيل في الصور والرسوم.

2- التنسيق بين اليد والعينِ؛ أي: التحكم الدقيق بحركات اليد.

3- القدرةُ على استكمال رسم صورة أو شكل غير كاملَيْنِ، وعلى الاستمرار في نمط معين، وعلى تذكُّر ونسخ الترتيب الذي توجد فيه سلسلة معينة من الصور والأشكال.

4- تمييز الصوت، وتذكُّر ترتيب تعاقب من الأصوات، أو الكلمات، أو التعليمات، ونسخ بيت بسيط من الشعر بعد سماعه.

5- الذاكرة، بالنسبة للأشياء المرئية والمسموعة على حدٍّ سواء.

6- اللغة.

إن المهارات من (1 إلى 4) هي مهارات إدراكية، وتعتمد المهارات من (1 إلى 3) على الإدراك البصري، والمهارة (4) على الإدراك السمعي.

الإدراك: هو القدرة على ملاحظة تفاصيل ما تراه العينُ (أو ما تسمعه الأذنُ) ومقارنة الأشياء المرئية أو المسموعة، أحدها بالآخر، أو بنموذج مرسوم في الذاكرة.

2- تمييز الأشكال ومطابقتها ونسخُها:
إن اللعب بالمكعبات وتركيب الصور المقطعة (صور التركيب: جيكسو) والتفرج على كتب الصور والرسم، واللعب بالألوان والدهان والمعجون... إلخ - كلها أمور تساعِدُ على أن يدرك الشكل، ويتعرف إلى ماهيَّتِه.

مطابقة الصورة: يمكن استعمالُ مجموعة من أزواج الصور أو الأشكال أو البطاقات في المطابقة، ويمكن قصُّ الأشكال من ورق ملون يُلصَقُ على الكرتون للتقوية (بطاقات) أو أنها تُرسَمُ ببساطة على بطاقات في أزواج.

الفوارق: ويمكن أيضًا صنعُ أزواجِ البطاقات لتعليم الطفل الفوارقَ الصغيرة بين الصور، حيث يكون على التلميذ أن يبحثَ عن أزواج متماثلة، أو أنه قد يعطى عددًا من البطاقات المتشابهة بينهما اثنتان متطابقتان تمامًا؛ لكي يكتشفَها.

الشف (الكز): وهو أسهل من الرسم، إذ يَنْقُلُ الرسمَ على ورقة شفافة، وإذا لم يكن باستطاعة التلميذ في البداية أن ينسخ شكلاً ما فإن عليه أن يحاول الشفَّ، فهذا يساعد التلميذ على أن يذكر بصوت مرتفع ما يفعل، مثل: "الآن درْ حولَ الزاوية" و"اقطع الخط الآخر" و"انتبه للمنحنى"... إلخ.

سيتعلم التلميذ أشياء أكثر عن الأشكال إذا هو خبَرَ الشكلَ بأكثر ما يمكن من الطرق:
استخدام اللَّمس للتعرف إلى شكل مقصوص مخبأ في كيس، إما بالإشارة إلى رسم ذلك الشكل، أو بتسميته.
نعصب عينَيِ التلميذِ، ونجعله يعثُرُ على شكل نسميه له من بين أشكال عديدة تقدم له على صينية.
يَرسُمُ المُعلِّمُ شكلاً ما بإصبعه، ثم يطلب من التلميذ أن يرسمَ الشكل نفسه، إما على الورق أو بإصبعه في الهواء.
يرسم المعلم شكلاً، ويكون على التلميذ أن يَجِد الشكل بين بطاقات مقصوصة.
تُعصب عينا التلميذ، ويُعطى قلمًا يمسكُه، ثم يمسك المعلم بيد التلميذ، ويرسم شكلاً، ويكون على التلميذ أن يتعرَّف على الشكل الذي رسمه.
يحاول التلميذ نفسُه نسخَ شكل أمامه من دون أن يستطيع رؤيةَ يده.

(كل هذه تدخل في إطار ما نسميه: التدريب النفسي الحركي؛ لتوضيح التحديد المكاني عند الطفل).

3- التنسيق بين اليد والعين:
التنسيق بين اليد والعين هو القدرة على السيطرة على حركة اليد بدقةٍ، بالاعتماد على ما يراه الإنسان وما يحتاجُ إليه، ونحن نحتاجُه للمهارات الحركية الرئيسة، وللمهارات الحركية الدقيقة.

والتنسيقُ الجيد بين اليد والعين أمرٌ ضروريٌّ لالتقاط الكرة مثلاً، أو ضربها بمضرب، وكذلك للتحكم بالقلم، ولتحسين التنسيق بين اليد والعين يجب التدرُّب على التقاط الكرات (أو أكياس الفاصولياء، وهي أسهل) وضربها، ودفع لعب السيارات على طرق مرسومة على الكرتون أو على الأرض، وتحريك لعب القطارات على سككها، أو تحريك الأحجار في ألعاب اللوحات (كلعبة الأفاعي والسلالم وغيرها).

في كلِّ تمارين الورق والقلم يجب على الطفل أن يعملَ باتجاه كتابة اللغة التي سيتعلَّمُ في النهاية قراءتها وكتابتَها، وفي البلدان التي تستخدم الأحرف اللاتينيَّة يكون على الأطفال أن يعملوا من اليسار إلى اليمين، أما في الأقطار التي تَستعمِلُ الأحرفَ العربيَّة فمن اليمين إلى اليسار، وبعض الأطفال يتحدَّثون إلى أنفسهم أثناء التمارين، مثل قول: "انتبه، لفوق، لتحت، حوله، عد، توقف... إلخ"، وهذا قد يساعِدُهم.

ويجب أن نسمَحَ للطفل باستخدام اليد التي يُفضِّلُها أو اليد الأقوى، ولا تجوز معاقبةُ تلميذ أبدًا؛ لأنه يكتب بيده اليسرى، ولا يجوز منعُه من ذلك على الإطلاق.

ويُستحسَنُ القيامُ بتمرين اليد الأضعف بين الحين والآخر (كالتمرين على تمييز الشكل باللمس أو رسم الأشكال باليد في الهواء).

ويجد بعضُ الأطفال صعوبةً في تعلُّم القراءة لمجرد أن أعينَهم غير مدرَّبة على متابعة سطر من الكتابة بثبات في اتجاه واحد، وتساعدُ التمريناتُ الواردة أعلاه مثل هذا الطفل على أن يفعل ذلك.

5- الإكمال والتعاقب (التتابع):
الإكمال:
إن إحدى المهارات المتعلقة بتعلم القراءة تتلخص في إكمال رسم غير مستكمَلٍ لصورة أو شكل مثلاً: (دائرة ينقص بعضُها – كرسي ينقصه جزء من إحدى قوائمه)، ويمكن إعطاء التلميذ رسمًا يسهل عليه تمييزُه ليُكمِلَه، أو قد نعطيه رَسمَيْنِ، أحدهما: كامل، والآخر: ينقص بعضه لـ"جعلهما متماثلين".

تمييز الأشكال ومتابعة الأنماط (تمارين إيقاعية/الترتيب – التراتب):
يكتب المعلم أول تعاقبَيْنِ أو ثلاثة، ويملأ التلميذ سطرًا أو صفحة كاملة بالنَّمَطِ نفسه.
ويمكن أن تُستكمل الأنماط كذلك بأوتادٍ ولوحة أوتاد فيها أنماط متتابعة من الأوتاد الملونة؛ مثل: الأوتاد الحمراء، أو الصفراء، أو الزرقاء، أو البيضاء، أو استعمال عقد الخرزِ المُلوَّن.

التعاقب:
وهذا يعني أن يتذكَّر التلميذُ الترتيب الصحيح للأشياء، أو التسلسل الذي تحصُلُ به الأمور، مثلاً: يجب أن تكون أحرفُ كلمة معينة بالترتيب نفسه دومًا؛ فإذا اختلَفَ هذا الترتيب أصبحت الكلمةُ كلمةً أخرى أو شيئًا لا معنى له.
نستخدم بطاقات الصور لتعليم الأطفال وضع الأشياء بتعاقبها أو تسلسلها الصحيح.
ومن مهارات التعاقب ما له عَلاقة بتذكُّر الترتيب الزمني للأحداث.

6- تمييز الصوت:
يتعلَّمُ التلميذُ في سياق تعلُّمه القراءةَ أنه يُمكِنُ تمثيلُ الأصوات بأحرف، ويجب على التلميذ أن يُدرِكَ الفوارقَ بين الأصوات لكي يفهم أن الأصوات المختلفة تتمثَّل بأحرف مختلفة.

ولتعزيز عملية التعليم هذه يلعب التلميذ ألعابًا يُفكِّر فيها بكلمات تبدأ بأصوات (أحرف مختلفة)، مثل:
كلمات تبدأ بالحرف "ب"؟
كلمات تبدأ بالحرف "ك"؟
كلمات تبدأ بالحرف "م"؟

وبعد أن يَعتاد التلاميذُ هذا، يمكن أن نطلب منهم ذكرَ اسم أيٍّ من الأشياء الموجودة في الصف (أو التي رأوها في الطريق... إلخ) ويبدأ بحرف معين.

ويمكن أن نَعرِضَ على الأطفال حرفَ الأبجدية الممثِّلَ للصوت، وإذا كان الصوت ممثلاً بأكثر من حرف واحد، فإننا نعرضُ الحرف الأكثر شيوعًا، ولكننا نقبل أيَّ كلمة قد يقدمها التلاميذ، ونكتب بالحرف الآخر، وهناك أمثلة عن ذلك في لغات أخرى غير العربية.

ويحتاج أطفال كثيرون إلى بعض التمارين التمهيدية قبل أن يصبحوا قادرين على لعب ألعاب الأصوات والحروف والألفاظ.

وسيتمتَّعُ التلاميذ بالاستماع إلى أشرطة تسجيل لأصوات شائعة ومعروفة (مثل خرير الماء، وإغلاقِ الباب، وعطاس رجل، وتشغيل محرِّك سيارة، ووقع حوافر الجواد... إلخ) للتعرُّف إلى الأصوات المختلفة، ويكون عليهم إما أن يُسمُّوا مصدر الصوت، أو أن يدلوا على صورته.

ويُمكِنُ تقليدُ أصوات الحيوانات أيضًا، فيُشيرُ التلميذُ إلى صورة الحيوان الذي يُصدِرُ هذا الصوت عادة.

الإيقاع:
يشكِّل الإصغاءُ إلى الإيقاعات المختلفة وتقليدُها تمرينًا مفيدًا وممتعًا، ينقرُ المعلم على الطاولة، أو يُصفِّقُ بيديه إيقاعًا معينًا، فينضمُّ إليه التلميذ مصفِّقًا أو ناقرًا، أو قد يرسُمُ علاماتٍ على الورق تُرافِقُ الإيقاع الزمني، ومن المفيد للطفل - أحيانًا - أن ينقر بيده الأقوى مرةً، وبيده الأضعف مرة أخرى، أو بالاثنتين معًا.

تذكُّر ترتيب الأصوات: يمكن إعطاء التلميذ لائحةً بأسماء عليه أن يكرِّرَها بالترتيب، ويمكن إعطاؤُه سلسلةً من الأوامر السهلة والمعقَّدة تدريجيًّا التي عليه أن ينفِّذَها بالترتيب.

ويمكن أن يُطلَبَ من التلميذ أن يعيد علينا قصةً سَمِعها، بكلماته الخاصة، شرط أن يكون ترتيبُ الأحداث صحيحًا.

7- الذاكرة:
تُقسَّمُ الذاكرة إلى نوعين:
ذاكرة طويلة الأمد.
وذاكرة قصيرة الأمد.

وتغطِّي الذاكرةُ قصيرة الأمد فترةً تمتدُّ من بضع ثوانٍ إلى بضع دقائق، أما الذاكرة طويلة الأمد فتخص كلَّ ما هو أطول من ذلك زمنيًّا، وهناك أيضًا الذاكرة البصرية (للأشياء التي تُرى)، والذاكرة السمعية (للأصوات التي تُسمع).

(عند العمل على تمارين الذاكرة: من المهم جدًّا تقديمُ الكثير من التشجيع والدعم للتلميذ؛ لكي لا يشعر بالملل والإحباط).

إن تذكر الأشياء المألوفة أسهلُ من تذكر الأشياء الغريبة.

إن على الطفلِ الذي يعاني مشاكلَ في الذاكرة أن يمارسَ التمارين المذكورة آنفًا، بحيث تصبحُ الأشكال مألوفةً أكثر، وتشبه تمارين الذاكرة قصيرة الأمد تمارين "نسخ الأشكال" المذكورة آنفًا، وعندما يتمكَّنُ التلميذ من نسخ شكل مرسوم أو شكل عود كبريت، نجعله يرى الشكل لخمس ثوانٍ فقط ثم نُخفيه، ويكون على التلميذ أن ينسخَه من الذاكرة، وكذلك تبقى تمارين التعاقب الواردة في هذا القسم مفيدة في تدريب الذاكرة البصرية.

ألعاب الذاكرة:
يرى التلميذُ لبرهة بطاقتَيْ صور أو أكثر، (سيارة وكرة مثلاً)، ثم نقلب البطاقتين ونسأل التلميذ عن البطاقة التي تُمثِّل السيارة، ويمكن أن يعرض المعلم على التلميذ تعاقبًا من بطاقات الصور، ثم يُغطِّيها، ويجعل التلميذ يعرض التعاقب من الصور باستخدام مجموعة أخرى، ثم يكشف المجموعة الأولى ويقارن النتيجة.

الذاكرة السمعية:
يُطلَبُ من التلميذ تَكْرارُ سلسلة قصيرة من الكلمات أو الأعداد أو التعليمات بترتيبها الصحيح، ثم نطيل السلسلة.

الذاكرة طويلة الأمد:
غالبًا ما تتحسَّنُ هذه الذاكرة مع تحسُّن الذاكرة قصيرة الأمد، وإن لم يتحقق ذلك فعلى المُعلِّم أن يكون صبورًا جدًّا، وواسع الخيال، ويجب التدرُّب على الكلمات التي على الطفل أن يتذكَّرَها؛ مثل: تعلم الأعداد وتكرارها، ولكن دون أن يَملَّ التلميذ، أو يَشعُرَ بالإحباط.

وعندما تبدأ الذاكرة طويلةُ الأمد بالتحسُّن بعد الكثير من التدريب، فإنها يُمكِنُ أن تقوى بسرعة، ولقد احتاج طفلٌ يعاني من مشاكل الذاكرة البصرية طويلة الأمد إلى 12 شهرًا ليتعلَّم الأرقام من 1 إلى 10، وبعد ذلك فقط بدأ يتعلم الأبجديَّة والقراءة، ولم تمضِ ستةُ أشهر إلا وصار يستطيع قراءة 80 كلمة، ثم انتقل إلى مدرسة عادية حيث حقَّق نجاحًا باهرًا على الرغم من أنه احتاج إلى الكثير من العمل المعتمد على الذاكرة.

8- اللغة:
قد يتمكَّنُ الطفل ذو القدرة اللُّغويَّة المحدودة من قراءة كلمات قليلة (الواقع أن القراءة قد تُشكِّلُ عاملاً مساعدًا على تعلُّم الكلام بالنسبة لبعض التلاميذ الذين يعانون من اضطرابات لُغويَّة) ولكن، ولكي يتعلَّم التلميذ القراءةَ بسهولة، فإن مَلَكةَ اللغة المتطورة يجب أن تكون عنده إلى المهارات أو القدرات التالية:
القدرة على الاستمتاع بالإصغاء إلى القصص، وأن يكون قادرًا على سَرْدِها، عارضًا الأحداث بترتيب صحيح (إلا إذا كان يعاني خللاً جسديًّا يَمنعُه من النطق الصحيح).

القدرة على التحدُّث عن الصور، وعما حصَل، فأدَّى إلى الوضع الذي يراه في الصورة، وعما يحتمل أن يحصل بعد ذلك.
القدرة على التحدُّث بسهولة عما رآه بنفسه، أو فعله، أو سمعه.
القدرةُ على استعمال جمل كاملةٍ في المحادثة العادية.
القدرةُ على إدراك الأصوات وعلى لعب الألعاب الإيقاعية... إلخ.
القدرة على الإصغاء للتعليمات وتنفيذِها.

يمكن مساعدةُ بعض التلاميذ الذين يتمتَّعون بمهارات إدراكٍ وذاكرةٍ جيدة على تحسين مهاراتهم اللُّغويَّة بواسطة برنامج مدروس بعنايةٍ، ويمكن نقلُ التلاميذ إلى قراءة جُمَلٍ أعقدَ بكثير من الجمل التي يستعملون، على ألا تكون شديدة الصعوبة إلى حدِّ أن تستحيل على فهمهم.

تنمية مهارة القراءة عند ذوي الإعاقة العقلية عبر ثلاث مراحل:
المرحلة الكلية في القراءة.
مرحلة التحليل في القراءة.
مرحلة التلقائية أو القراءة الناضجة.

المرحلة الكلية:
وهي المرحلة الأولى في اكتساب مهارة القراءة، ويَكْمُنُ سببُ تسمية هذه المرحلة بالمرحلة الكلية في أن الكلمة بالنسبة للطفل تُمثِّلُ الكلَّ، والحروف هي الأجزاء التي تُمثِّلُ هذا الكل؛ ولذلك فإننا نجد أن نقطة البداية في تعلُّم مهارة القراءة بالنسبة للغالبية العظمة من الأطفال يَتمثَّلُ في قراءة الكلمات وليس الحروف التي تمثل هذه الكلمات.

ويعود السبب في ذلك إلى أن الإدراكَ في هذه المرحلة يكون موجَّهًا نحوَ الكلِّ وليس الجزء؛ حيث يستطيع الطفلُ في البداية التَعرُّف على الكلمات المألوفة لديه بسرعة وبسهولة، وتتمثَّل هذه المرحلة في:
البدء بالقراءة:
اسمي: كما أشرنا سابقًا فإن الكلمة الأولى التي على الطفل أن يتعلَّم قراءتها هي اسمُه، حتى التلاميذ ذوو التخلُّف الحادِّ يُمكِنُهم - إلى درجة ما - أن يتعلموا معرفةَ أسمائهم.

فيما بعد يكون على التمليذ أن يتعلَّم تمييزَ الأعداد من (1 إلى 10 ومتابعتها)، ثم نسخها (قد لا يكون الطفل قادرًا على العدِّ في هذه المرحلة، ولكن قراءة الأعداد ستُمكِّنُه من استعمال النقود، وقراءة أرقام المباني في البلدة، وأرقام الباصات في المدن).

وعندما يَتمكَّنُ التلميذ من تمييز وكتابة الأعداد واسمِه، يمكنه أن يبدأ متابعة الأبجدية ونسخها، ويمكن توزيع بطاقات تحمل أسماءَ الأشياءِ الموجودة في أنحاء الصف (الفصل)، وفي أماكنها الصحيحة، بينما يُعطَى التلميذ بطاقة مطابقة، ويُطلَبُ منه أن يعثرَ على البطاقة المماثلةِ لبطاقته.

طريقة "انظر وقل" (أو انظر والْفِظْ):
يمكن تعليم التلاميذ تمييز أسمائهم المكتوبة ومطابقة أزواج بطاقات الكلمات التي تكون إحداها مثبتةً على الشيء الذي تحمل اسمه، وعند قراءة هذه الكلمات يَنظُرُ التلميذ إلى شكل الكلمة بكاملها، دون أن يُفكِّكَها إلى أحرف مختلفة.

بهذه الطريقة يتعلَّمُ بعضُ الأطفال المتخلِّفين عقليًّا تمييزَ الكلمات بسرعة حتى عندما يكون استعمالهم اللغة محدودًا إلى حدٍّ ما؛ (كاستعمال حوالي 50 كلمة نطقًا أو بالإشارة).

وبشكل أخص: فإن بعض الأطفال الذين يعانون متلازمة "داون" (المنغولية) كانوا من الناجحين، وخصوصًا إذا بدأ برنامجهم وهم في سنٍّ تتراوح بين سنتين وأربع سنوات، ولكن أطفالاً آخرين - وذكاء بعضهم قريب من الطبيعي - يَجِدُون القراءة بهذه الطريقة صعبة جدًّا.

ويحتاج هؤلاء قبل تحقيق أي تقدم إلى التدرب على تمارين إدراك تعطى لهم طوال أشهر أو حتى سنوات (يحتاج هذا المجال إلى الكثير من الدقة).

إن السبيلَ الوحيد إلى معرفة ما إذا كان التلميذُ سينجحُ في طريقة "انظر وقل" هو أن نجرِّبَها، ويمكن إدخالُ مزيد من الكلمات إلى بطاقات الصور، بحيث يطابق التلميذ بطاقةً تحمل الكلمة المكتوبة مع بطاقة تحمل الكلمة والصورة.

إن طريقةَ "انظر وقل" هي أسهلُ الطرق لتعلُّم قراءة عدد محدود من الكلمات بالنسبة لبعض التلاميذ، ولكن من الصعب على التلاميذ المتخلِّفين عقليًّا أن يتعلَّموا قراءةَ عدد أكبر من الكلمات باستخدام هذه الطريقة إلا إذا كانت ذاكرتُهم جيدةً جدًّا.

مرحلة التحليل في القراءة:
تبدأُ هذه المرحلة عندما يتعلَّم الطالبُ ربطَ الحرفِ الذي يراه بصوته، ويتحتَّمُ على الطالب حفظُ شكل الحروف والأصوات التي تُشيرُ إليها.

وفي هذه المرحلة يَستخدِمُ الطالب الطريقةَ الصوتية في قراءة الكلمات، وتجميع الأصوات أو القيام بعملية تحليل الكلمة إلى حروف.

ويتمُّ في هذه المرحلة بعد أن يتعلَّم الطالب الحروف الهجائية، التدريب المكثَّف على تجميع الأصوات والكلمات وتحليلها، إلى أن يَصِلَ الطالب إلى مستوى الإتقان الكامل، بمعنى الحد الأقصى الذي تسمح به قدراته وإمكانياته.

وفي هذه المرحلة ينمو الإدراكُ السمعيُّ للطالب من خلال التمييز الصوتي للحروف وتجميع الأصوات وتحليلها، وتتمثَّلُ هذه المرحلة في:
طريقة التهجئة الصوتيَّة:
تقوم الطريقة الثانية لتعليم القراءة على تجزئة الكلمة إلى الأحرف التي تتألَّفُ منها، ويتعلَّمُ التلميذُ الصوتَ الذي يُمثِّلُه كلُّ حرف وكيفية اجتماع الأصوات لتكوين كلمة.

وأسهل على التلميذ بكثير أن يتعلَّم الصوتَ الذي يُمثِّلُه ذلك الحرف بدلاً من اسم ذلك الحرف "أه، بَه، تَه، سَه.." بدلاً من "ألف، باء، تاء، سين...".

ومع ذلك، فإذا كنا نريد أن نُعلِّم بهذه الطريقة فيجب أن يُوافِقَ أهل التلميذ على التعاون؛ إذ من المُشوِّش للتلميذ أن يتعلَّم في المدرسة "الأصوات" التي تُمثِّلُها الأحرف إذا كان الأهل في البيت يتوقعون منه أن يلفظ "أسماء" الأحرف الأبجدية بالطريقة التقليدية.

ينبغي تعريف التلميذ بالأحرف ببطء، وبما لا يتجاوزُ ثلاثة أحرف أو أربعة في البداية، وبعد أن يتعلَّم الطفلُ، ويستعمل كلمات مؤلَّفة من هذه الأحرف القليلة، يمكننا أن نضيف حرفَيْنِ جديدين، أو ثلاثة كل مرة.

ويجب أن تكون الأحرف التي يراها الطفل أولاً من بين الأحرف الأكثر شيوعًا في الاستعمال، مع الإبقاء على الأحرف الأقلِّ استعمالاً حتى وقت متأخر، ويجب عدم محاولة تعليم الطفل حرفين شديدَيِ التشابه في آنٍ واحد (مثل "ت و ث" أو "س و ش" أو "ف و ق"... إلخ).

والتلميذ الذي يتعلم القراءة بهذه الطريقة يجب ألا يكتفيَ بقراءة الكلمات من الصفحة وحسب، بل إن على المعلم أن يحضر أيضًا "بطاقات كلمات" مع كل كلمة أو مجموعة من الأحرف على بطاقة، فقد يتعلَّمُ التلاميذ ترتيب الكلمات على الصفحة عن ظهر قلب (أي بصمًا أو صمًّا) ويبقون عاجزين عن قراءتها.

ويصل إلى هذه المرحلة عددٌ كبير من ذوي الإعاقة الفكرية البسيطة، إلا أن الاختلاف بينهم يتمثَّل في سرعة الوصول إلى درجة الإتقان.

التلقائية (المرونة) في القراءة:
وهي المرحلة الأخيرة من مراحل اكتساب مهارة القراءة، وهي الوصول إلى التلقائية في القراءة، وفي هذه المرحلة يتمكَّنُ الطالب من القراءة بسهولة وسلاسة، ويركز على الفهم أكثر من تحليل الحروف.

ولا يُتوقَّع من ذوي الإعاقة العقلية الوصول لهذه المرحلة؛ نظرًا لصعوبة المهمة عليهم، ولأنها تتطلب قدرات ومهارات عالية.

الجدير بالذكر: أن هذه المراحل الثلاث قد تتداخل فيما بينها في بعض الجوانب.

المصادر والمراجع:
إبراهيم المبرز، "التدريس الناجح لذوي الإعاقة الفكرية"، الرياض، الشريف (2010م).
سلوى مبيضين، "تعليم القراءة والكتابة للأطفال"، عمان، دار الفكر (2003م).
سناء طيبي، عبدالعزيز السرطاوي، ناظم منصور، "مقدمة في صعوبات القراءة"، عمان، دار وائل (2009م).
السيد علي، "صعوبات القراءة"، الرياض، دار الزهراء (2010م).
كريستين مايلز، "التربية المختصة: دليل لتعليم الأطفال المعوقين عقليًّا"، الطبعة العربية الأولى، 1994م.
ليسلي مورو، "تطوير تعليم مهارتي القراءة والكتابة في السنوات الأولى، مساعدة الأطفال على القراءة والكتابة" ترجمة: سناء حرب، العين، دار الكتاب الجامعي (2004م).
محمد القضاة، محمد الترتوري، "تنمية مهارات اللغة والاستعداد القرائي عند طفل الروضة"، عمان، دار الحامد (2006).
يزيد بن عبدالعزيز الناصر، "تدريس القراءة لذوي الإعاقة الفكرية البسيطة"، الرياض (1431هـ).

بحث

شكرا لزيارتكم نتمني ان ينال هاذا العمل اعجابكم